أغلب الظن، وإن بعض الظن إثم، أن النماذج الدينية التي تعرضها المسلسلات والأفلام في عالمنا العربي غير موجودة إلا فقط في مخيلة صانعي هذه الأعمال، ومن واقع مخاوف لها علاقة بالكثير من النماذج المتشددة التي لا تعرف شيئا عن وسطية الدين الإسلامي. وينطبق هذا الأمر بوضوح على مسلسل (الداعية ) الذي يقدم نموذجا من النادر أن تراه على شاشة الفضائيات المنتشرة.. فالدعاة، ولا سيما المعاصرون، يعتمدون في لغتهم ومظهرهم على أسلوب معتدل لجذب الجمهور، ولم نسمع في السنوات العشر الأخيرة عن داعية يركز على تحريم الموسيقي والأغاني كما شاهدنا هاني سلامة في المسلسل الذي سعت عائلة (العدل) ــ مؤلفين ومخرجين وممثلين ومنتجين ــ لشحذ الهمم لإدانة النموذج الديني هنا بأي وسيلة، ومن خلال كلاشيهات محفوظة عن صورة رجل الدين المتشدد بهدف التخويف والنفور، وهي طريقة سادت في العقدين الأخيرين عبر سلسلة أعمال درامية وفنية موجهة، بصرف النظر عن الجانب السياسي في هذا الموضوع.
في المسلسل، نرى الداعية الإسلامي (هاني سلامة) الذي يعمل بإحدى القنوات الفضائية الدينية، يتعرف على عازفة الكمان (بسمة) التي تتعلق بحبه ويبادلها نفس الشعور، ولكن التزامه الديني يقف حائلا بينه وبينها حتى تنجح عازفة الموسيقي في تغيير طريقة تفكير رجل الدين ونظرته للحياة في إيعاز بانتصار الحياة والاعتدال على التشدد، وهو ما يذكرنا بشخصية هاني سلامة نفسه في فيلم سابق ليوسف شاهين وهو (المصير)، حيث رأي المخرج وقتها أن الرقص هو العلاج للتشدد، مثلما رأت إيناس الدغيدي في فيلم سابق أيضا انتصار الرقص على الفكر الرجعي المتشدد.. وكلها نظريات لا يمكن أن تنجح في إقناع المشاهد حتى المعتدل ببراءة الوسيلة المؤدية للنجاة.. فعلاج التشدد لا يكون بالتشدد المضاد، مثلما يستحيل أن يكون الرقص هو العلاج الديني المستحب، وهو ما يذكرنا بقصة يوسف إدريس (لي لي) الذي ينتصر فيها الشبق والشهوة علي شيخ جامع يترك المصلين ساجدين ويذهب للحرام.. فالمنطق العلماني في مثل هذه الأعمال الأدبية والفنية يكشف عن مدى الهوة العميقة في لهجة الخطاب بين عالمين يرى كل منهما الآخر من زاوية شديدة العداء.
وفي المسلسل الذي كتبه مدحت العدل، وأخرجه شقيقه محمد العدل، وشارك في بطولته شقيهما الثالث سامي العدل، نرى تلك النظرة النمطية لرجل دين غير مؤهل بدأ حياته نقاشا (لاحظ العنصرية) ثم طور من ملبسه وأسلوبه بذكاء اجتماعي ليصبح نجما فضائيا له مريدون.. ويكتمل التناقض في الشخصية بعدم بر الداعية بوالديه، وتحديدا أباه، رغم أن أبسط قواعد البر تقتضي ذلك حتى لو أخطأ هذا الأب.. وعلى جانب آخر نلمح شخصية زوج الأخت (أحمد فهمي) الذي يطمع في الوصول للنجومية كداعية هو الآخر حتى ينتصر على عقده وعلى صديقه اللدود وأيام النقاشة التي لا يريد أن يتذكرها كما ظهر في بعض المشاهد والحوارات فهو حانق.. وحتى أستاذ الداعية (سامي العدل) يمصمص شفتيه حسرة في أحد المشاهد على أنه لم يستفد في عصره من مهنته كما يستفيد تلميذه الآن، مشيرا إلى النجومية والأموال.. فالنماذج الثلاثة للدعاة في المسلسل بها قدر من الدونية والمادية الواضحة، وهو أمر لا يجوز تعميمه على هذا النحو، فمن المؤكد أن هناك نماذج تعمل لله فقط وليس لشهرة أو مال، لكن السيناريو يتجاهلها تماما في محاولة واضحة لإدانة الجميع، وفي المسلسل لقطات لا تخطئها العين تكرس التشدد وتدينه بوضوح مثل كسر آلة الكمان ورفض سماع عمرو دياب، بل ومشهد الحلقة الأولى الذي يدين فيه الداعية الاستماع لنانسي عجرم.. فأغلب مآخذ الشخصية تتعلق بالفن، وهو تمهيد درامي للفكرة التي يلح عليها المؤلف وصولا للتغير الذي سيطرأ على الشخصية فيما بعد حين تقع في الحب، وخصوصا حين تكون شخصية الحبيبة عازفة موسيقي متحررة رباها والدها على محاربة التخلف بالموسيقى، وجاء الاختيار هنا لشخصية بسمة وهي في الحقيقة زوجة نجم فضائيات سياسي ليبرالي هو عمرو حمزاوي ومحسوبة أيضا على هذا التيار، وكأن صناع العمل يريدون تكريس مصداقية محددة على مسلسلهم بمزج شخصيات لها بعد حقيقي من الأفكار المطروحة لمحاربة التطرف أو التدين.. ليس مهما.. المهم هو الإلحاح على هذا المعنى.. وربما كان اختيار هاني سلامة تلميذ خالد يوسف العلماني النجيب لدور الداعية وكذلك سامي العدل لدور الأستاذ تكريسا متعمدا للفكرة العكسية.. وهي أن هذه الأنماط غير صادقة فيما تقول عن الدين.. فالفكرة السائدة عن كلا الممثلين تجعل المتلقي يشك في حقيقة ما يقدمون على الشاشة بحكم الفكرة المسبقة، بما يؤكد على وهم هؤلاء الدعاة كما يسعى المسلسل لتصويرهم.. وقد نجح في ذلك إلى حد كبير.. فكيف يصدق أحد أن هاني سلامة الذي قدم أعمالا مفعمة بالجنس والتحرر شيخ يهدي الناس ولا حتى سامي العدل أو أحمد فهمي مطرب فرقة واما.. فهذا التناقض في اختيار الشخصيات متعمد بهدف كسر التابوه الدرامي، بل وكسر الإيهام على طريقة بريخت.. وهنا تبدو مهارة المخرج محمد العدل في أول أعماله كمخرج حتى لو اختلفنا مع الفكرة الكاملة للعمل إجمالا.
في المسلسل، نرى الداعية الإسلامي (هاني سلامة) الذي يعمل بإحدى القنوات الفضائية الدينية، يتعرف على عازفة الكمان (بسمة) التي تتعلق بحبه ويبادلها نفس الشعور، ولكن التزامه الديني يقف حائلا بينه وبينها حتى تنجح عازفة الموسيقي في تغيير طريقة تفكير رجل الدين ونظرته للحياة في إيعاز بانتصار الحياة والاعتدال على التشدد، وهو ما يذكرنا بشخصية هاني سلامة نفسه في فيلم سابق ليوسف شاهين وهو (المصير)، حيث رأي المخرج وقتها أن الرقص هو العلاج للتشدد، مثلما رأت إيناس الدغيدي في فيلم سابق أيضا انتصار الرقص على الفكر الرجعي المتشدد.. وكلها نظريات لا يمكن أن تنجح في إقناع المشاهد حتى المعتدل ببراءة الوسيلة المؤدية للنجاة.. فعلاج التشدد لا يكون بالتشدد المضاد، مثلما يستحيل أن يكون الرقص هو العلاج الديني المستحب، وهو ما يذكرنا بقصة يوسف إدريس (لي لي) الذي ينتصر فيها الشبق والشهوة علي شيخ جامع يترك المصلين ساجدين ويذهب للحرام.. فالمنطق العلماني في مثل هذه الأعمال الأدبية والفنية يكشف عن مدى الهوة العميقة في لهجة الخطاب بين عالمين يرى كل منهما الآخر من زاوية شديدة العداء.
وفي المسلسل الذي كتبه مدحت العدل، وأخرجه شقيقه محمد العدل، وشارك في بطولته شقيهما الثالث سامي العدل، نرى تلك النظرة النمطية لرجل دين غير مؤهل بدأ حياته نقاشا (لاحظ العنصرية) ثم طور من ملبسه وأسلوبه بذكاء اجتماعي ليصبح نجما فضائيا له مريدون.. ويكتمل التناقض في الشخصية بعدم بر الداعية بوالديه، وتحديدا أباه، رغم أن أبسط قواعد البر تقتضي ذلك حتى لو أخطأ هذا الأب.. وعلى جانب آخر نلمح شخصية زوج الأخت (أحمد فهمي) الذي يطمع في الوصول للنجومية كداعية هو الآخر حتى ينتصر على عقده وعلى صديقه اللدود وأيام النقاشة التي لا يريد أن يتذكرها كما ظهر في بعض المشاهد والحوارات فهو حانق.. وحتى أستاذ الداعية (سامي العدل) يمصمص شفتيه حسرة في أحد المشاهد على أنه لم يستفد في عصره من مهنته كما يستفيد تلميذه الآن، مشيرا إلى النجومية والأموال.. فالنماذج الثلاثة للدعاة في المسلسل بها قدر من الدونية والمادية الواضحة، وهو أمر لا يجوز تعميمه على هذا النحو، فمن المؤكد أن هناك نماذج تعمل لله فقط وليس لشهرة أو مال، لكن السيناريو يتجاهلها تماما في محاولة واضحة لإدانة الجميع، وفي المسلسل لقطات لا تخطئها العين تكرس التشدد وتدينه بوضوح مثل كسر آلة الكمان ورفض سماع عمرو دياب، بل ومشهد الحلقة الأولى الذي يدين فيه الداعية الاستماع لنانسي عجرم.. فأغلب مآخذ الشخصية تتعلق بالفن، وهو تمهيد درامي للفكرة التي يلح عليها المؤلف وصولا للتغير الذي سيطرأ على الشخصية فيما بعد حين تقع في الحب، وخصوصا حين تكون شخصية الحبيبة عازفة موسيقي متحررة رباها والدها على محاربة التخلف بالموسيقى، وجاء الاختيار هنا لشخصية بسمة وهي في الحقيقة زوجة نجم فضائيات سياسي ليبرالي هو عمرو حمزاوي ومحسوبة أيضا على هذا التيار، وكأن صناع العمل يريدون تكريس مصداقية محددة على مسلسلهم بمزج شخصيات لها بعد حقيقي من الأفكار المطروحة لمحاربة التطرف أو التدين.. ليس مهما.. المهم هو الإلحاح على هذا المعنى.. وربما كان اختيار هاني سلامة تلميذ خالد يوسف العلماني النجيب لدور الداعية وكذلك سامي العدل لدور الأستاذ تكريسا متعمدا للفكرة العكسية.. وهي أن هذه الأنماط غير صادقة فيما تقول عن الدين.. فالفكرة السائدة عن كلا الممثلين تجعل المتلقي يشك في حقيقة ما يقدمون على الشاشة بحكم الفكرة المسبقة، بما يؤكد على وهم هؤلاء الدعاة كما يسعى المسلسل لتصويرهم.. وقد نجح في ذلك إلى حد كبير.. فكيف يصدق أحد أن هاني سلامة الذي قدم أعمالا مفعمة بالجنس والتحرر شيخ يهدي الناس ولا حتى سامي العدل أو أحمد فهمي مطرب فرقة واما.. فهذا التناقض في اختيار الشخصيات متعمد بهدف كسر التابوه الدرامي، بل وكسر الإيهام على طريقة بريخت.. وهنا تبدو مهارة المخرج محمد العدل في أول أعماله كمخرج حتى لو اختلفنا مع الفكرة الكاملة للعمل إجمالا.